مقدم من: كون – تاي كيم ]يمثله السيد تونغ وان تشو، مكتب دوكسو للمحاماة في سول[ الوقائع كما أوردها مقدم البلاغ
2-1 مقدم البلاغ عضو مؤسس للائتلاف الوطني للحركة الديمقراطية (تشونمينريوم، يشار إليه فيما بعد باسم الائتلاف). وكان رئيس لجنة تخطيط السياسات ورئيس اللجنة التنفيذية في هذه المنظمة. وأعدّ مع أعضاء آخرين في الائتلاف وثائق انتقدت حكومة جمهورية كوريا وحلفاءها في الخارج، ودعا إلى إعادة الوحدة الوطنية. وفي الاجتماع المعقود لإعلان قيام الائتلاف في 21 كانون الثاني/يناير 1989، وزعت هذه الوثائق وتُليت على قرابة000 4 مشارك؛ وألقي القبض على مقدم البلاغ في ختام الاجتماع.2-2 وفي 24 آب/أغسطس 1990، خلص أحد القضاة في محكمة سول الجنائية إلى أن مقدم البلاغ مذنب بارتكاب أفعال إجرامية بموجب الفقرتين 1 و 5 من المادة 7 من قانون الأمن القومي، وقانون التجمع والمظاهرات، وقانون قمع أنشطة العنف، وحكم عليه بالسجن لمدة ثلاث سنوات وتعليق الأهلية لسنة واحدة. وفي 11 كانون الثاني/يناير 1991 رفضت دائرة الاستئناف بالمحكمة نفسها طلب الاستئناف المقدم من السيد كيم، لكنها خفّضت مدة الحكم بالسجن إلى سنتين. وفي 26 نيسان/أبريل 1991، رفضت المحكمة العليا استئنافاً آخر. ودُفع بأن مقدم البلاغ قد استنفد جميع سبل الانتصاف الداخلية المتاحة، بما أن المحكمة الدستورية قررت في 2 نيسان/أبريل 1990 أن الفقرتين 1 و 5 من المادة 7 من قانون الأمن القومي لا تتعارضان مع الدستور. 2-3 وتتناول هذه الشكوى فقط إدانة مقدم البلاغ بموجب الفقرتين 1 و 5 من المادة 7 من قانون الأمن القومي. وتنص المادة 1 على أنه “يعاقب أي شخص يساعد منظمة مناهضة للدولة، سواء بالثناء على أنشطتها أو بتشجيعها”. وتنص الفقرة 5 على أنه “يعاقب أي شخص يُعدّ أو يوزّع وثائق أو رسومات أو أي مواد أخرى لمنفعة منظمة مناهضة للدولة”. وفي 2 نيسان/أبريل 1990، رأت المحكمة الدستورية أن هذين البندين يتطابقان مع الدستور حال تطبيقهما [ فقط ] عندما يتعرّض أمن الدولة للخطر، أو عندما تقوّض الأنشطة المدانة النظام الديمقراطي الأساسي. 2-4 ووفّر مقدم البلاغ ترجمة إلى الانكليزية للأجزاء المعنية من الأحكام الصادرة عن المحاكم تُظهر أن المحكمة الابتدائية قرّرت أن كوريا الشمالية منظمة مناهضة للدولة، هدفها تغيير الحالة في كوريا الجنوبية بالعنف. ووفقاً للمحكمة، فإن مقدم البلاغ، بالرغم من علمه بهذه الأهداف، أعدّ مواد كتابية تعكس آراء كوريا الشمالية، وخَلُصت المحكمة بالتالي إلى أن مقدم البلاغ أعدّ المواد الكتابية ووزّعها بغرض إفادة المنظمة المناهضة للدولة والتحيّز لها. 2-5 واستأنف مقدّم البلاغ الحكم في 24 آب/أغسطس 1990 للأسباب التالية : - إن الوثائق التي قام بإعدادها وتوزيعها، وإن تضمنت آراء تماثل تلك التي يدعو إليها النظام في كوريا الشمالية، فقد أساء القاضي تفسير الوقائع المتعلقة بها، إذ كانت فحوى الرسالة التي تتضمنها الوثائق هي الدعوة إلى “إعادة الوحدة عن طريق الاستقلال وإرساء الديمقراطية”. ولا يمكن بالتالي القول بأن مقدم البلاغ أثنى على أنشطة كوريا الشمالية أو شجعها، أو أن محتويات الوثائق كانت ذات منفعة مباشرة للنظام في كوريا الشمالية؛ - إن الأفعال والمفاهيم المحظورة المبينة في الفقرتين 1 و 5 من المادة 7 من قانون الأمن القومي معرّفة بعبارات فضفاضة وغامضة بحيث أخلَّت أحكامهما بمبدأ المشروعية، أي الفقرة 1 من المادة 21 من الدستور التي تنص على عدم جواز تقييد حريات المواطنين وحقوقهم بموجب القانون إلا لضرورات الأمن القومي القصوى وللحفاظ على القانون والنظام، وللصالح العام، على ألا تشكل هذه القيود انتهاكا للجوانب الجوهرية للحقوق الأساسية؛ - إنه في ضوء ما انتهت إليه المحكمة الدستورية، يجب تعليق العمل بأحكام هاتين الفقرتين بالنسبة إلى الأنشطة التي لا تشكل خطراً جلياً على الأمن القومي أو على بقاء النظام الديمقراطي. وبما أن المواد موضع الإدانة لم تُعدّ أو توزّع بغرض الثناء على كوريا الشمالية، وبما أنها لا تتضمن أي معلومات قد تشكل خطراً جلياً على بقاء جمهورية كوريا أو أمنها، أو نظامها الديمقراطي، ينبغي ألا يعاقب مقدّم البلاغ. 2-6 وأيدت محكمة الاستئناف الإدانة استنادا إلى أن الأدلة أظهرت أن المواد الكتابية التي أعدّها مقدم البلاغ، والتي تلاها على تجمع كبير، زعمت أن حكومة جمهورية كوريا خاضعة لتأثير قوى أجنبية، وُوصفت الحكومة بأنها نظام دكتاتوري عسكري، وتضمنت آراء أخرى تتطابق والدعاية التي تبثها كوريا الشمالية. ووفقاً لما ذكرته المحكمة، فإن المواد تناصر بذلك سياسة كوريا الشمالية. وتوفر بالتالي لدى المحكمة الابتدائية أسباب كافية لأن تقرر بأن مقدم البلاغ أفاد منظمة مناهضة للدولة وتحيّز لها. 2-7 وفي 26 نسيان/أبريل 1991، قرّرت المحكمة العليا أن الأحكام ذات الصلة في قانون الأمن القومي لا تشكل انتهاكا للدستور ما دامت تطبق على قضية تنطوي على نشاط يضر بالبقاء والأمن القوميين أو يعرّض النظام الديمقراطي الليبرالي الأساسي للخطر. وعليه، فإن ما ورد في إطار الفقرة 1 من المادة 7 بشأن “نشاط يتحيّز لمنظمة مناهضة للدولة” ويفيدها إنما يقصد به العمل بالحظر إذا كان هذا النشاط مفيداً لتلك المنظمة من الناحية الموضوعية. وينطبق الحظر إذا أقرّ شخص يتمتع بحالة عقلية طبيعية وذكاء وبصيرة بأن النشاط المقصود قد يفيد المنظمة المناهضة للدولة، أو إذا حصل اعتراف طوعي بأنه قد يكون مفيداً لها. ويستتبع ذلك وفقاً للمحكمة العليا أن وجود إقرار قصدي أو دوافع لدى الشخص المعني ليس ضرورياً ليكون النشاط “مفيدا”. ومضت المحكمة إلى الإقرار بأن مقدم البلاغ وزملاءه أعدّوا مواد تُعتبر ككل وبصورة موضوعية متحيزة للدعاية التي تبثها كوريا الشمالية، وأن مقدم البلاغ، الذي يتمتع بالذكاء والبصيرة بشكل طبيعي، تلاها وأيّدها، مقراً بذلك بكل موضوعية أن أنشطته قد تكون مفيدة لكوريا الشمالية. 2-8 وفي 10 أيار/مايو 1991، أقرّت الجمعية الوطنية عدداً من التعديلات على قانون الأمن القومي؛ فقد عُدلت الفقرتان 1 و 5 من المادة 7 بإضافة العبارة التالية إلىالأحكام السابقة: “مع العلم بأنها ستعرّض للخطر الأمن أو البقاء القوميين، أو النظام الديمقراطي الحر”. الشكوى:
3-1 دفع محامي الدفاع أنه بالرغم من أن الفقرة 1 من المادة 21 من الدستور الكوري تنص على أن “جميع المواطنين يتمتعون بحرية الكلام والصحافة والاجتماع وإنشاء الجمعيات”، كثيرا ما طُبقت المادة 7 من قانون الأمن القومي لتقييد حرية الفكر والمعتقد والتعبير بالكلام أو النشر أو الأفعال أو إنشاء الجمعيات، وما إلى ذلك. وبموجب هذا الحكم، فإن كل من يؤيد الاشتراكية والشيوعية والنظام السياسي في كوريا الشمالية أو ينظر إليهم نظرة إيجابية هو عرضة للعقاب. كما أشار محامي الدفاع إلى القضايا العديدة التي طُبق فيها هذا البند لمعاقبة أولئك الذين انتقدوا سياسات الحكومة، لأنه صادف أن انتقادهم كان مماثلاً للانتقادات التي يوجهها نظام كوريا الشمالية إلى كوريا الجنوبية. وحسب رأي محامي الدفاع، فإن قضية مقدم البلاغ هي مثال على التطبيق التعسفي لقانون الأمن القومي، بما يعد انتهاكا للفقرة 2 من المادة 19 من العهد.3-2 كما دفع محامي الدفاع بأن الحجج التي قدمتها المحكمة تظهر بوضوح كيف يُستغلّ قانون الأمن القومي لتقييد حرية التعبير استناداً إلى الاعتبارات التالية التي تتعارض والمادة 19 من العهد. أولاً، قررت المحكمة أن مقدم البلاغ أدلى بآراء تنتقد سياسات حكومة جمهورية كوريا؛ ثانياً، انتقدت كوريا الشمالية حكومة كوريا الجنوبية بما يشوه الواقع في كوريا الجنوبية. ثالثاً، أطلِقت على كوريا الشمالية صفة المنظمة المناهضة للدولة التي أنشئت لإزاحة حكومة كوريا الجنوبية (المادة 2 من قانون الأمن القومي)؛ رابعاً، قام مقدم البلاغ بتحرير ونشر مواد تتضمن انتقاداً مماثلاً لما توجهه كوريا الشمالية إلى كوريا الجنوبية؛ خامساً، لا بدّ أن مقدم البلاغ كان على اطلاع على هذا الانتقاد؛ وأخيراً، لا بد أن مقدم البلاغ قد قام بأنشطته لمنفعة كوريا الشمالية، مما يُعتبر مدحاً وتشجيعاً للنظام القائم في ذلك البلد. 3-3 ويشير محامي الدفاع إلى تعليقات اللجنة المعنية بحقوق الإنسان التي اعتُمدت بعد النظر في التقرير الأولي الذي قدّمته جمهورية كوريا بموجب المادة 40 من العهد 1 وفي هذا الصدد، علقت اللجنة بما يلي: “إن [شاغلها] الرئيسي هو استمرار العمل بقانون الأمن القومي. ورغم أن الوضع الخاص الذي تجد جمهورية كوريا نفسها فيه هو وضع تترتب عليه آثار على النظام العام في البلد، فإنه ينبغي عدم المغالاة في تقدير تأثيره. وتعتقد اللجنة أن القوانين العادية، وعلى الأخص القوانين الجنائية السارية، فيها الكفاية لمعالجة الجرائم التي ترتكب ضد الأمن القومي. ثم أن بعض المسائل التي يتناولها قانون الأمن القومي محددة بعبارات غامضة إلى حد ما بما يسمح بتفسير فضفاض يمكن أن تترتب عليه جزاءات على أفعال قد لا تشكل خطورة حقيقية على أمن الدولة […]. وتوصي اللجنة الدولة الطرف بتكثيف جهودها لجعل تشريعها أكثر تمشيا مع أحكام العهد. ولهذا الغرض ينبغي بذل محاولة جادة للتخلص التدريجي من قانون الأمن القومي الذي تعتبره اللجنة عائقا رئيسيا أمام الإعمال الكامل للحقوق التي يتضمنها العهد ولعدم التعدي، في غضون ذلك، على حقوق أساسية معينة […]”. 3-4 ودفع محامي الدفاع أخيرا أنه بالرغم من أن الأحداث التي أدين بها مقدم البلاغ وحُكم عليه بسببها قد وقعت قبل سريان مفعول العهد في جمهورية كوريا في 10 تموز/يوليه 1990، فقد أعلنت المحاكم قراراتها في القضية بعد هذا التاريخ، وكان عليها بالتالي أن تُطبق الفقرة 2 من المادة 19 من العهد. معلومات الدولة الطرف بشأن المقبولية وملاحظاتها عليها وتعليقات مقدم البلاغ عليها:
4-1 في الرسالة التي قدمتها الدولة الطرف بموجب المادة 91 من النظام الداخلي، تدفع بحجة مؤداها أنه نظرا لاستناد البلاغ إلى أحداث وقعت قبل بدء نفاذ العهد بالنسبة لجمهورية كوريا، فإن الشكوى غير مقبولة من حيث الاختصاص الزماني لأنها تقوم على هذه الأحداث.4-2 وتقر الدولة الطرف أن مقدم البلاغ اعتبر مذنبا لتهم متعلقة بانتهاك قانون الأمن القومي في الفترة من كانون الثاني/يناير 1989 إلى أيار/مايو 1990. غير أنها تضيف أنه لم يرد في الشكوى أن السيد كيم أدين أيضا لتنظيمه مظاهرات غير قانونية وحضه على أعمال العنف في مناسبات عدة خلال الفترة من كانون الثاني/يناير 1989 إلى أيار/مايو 1990. ووفقا لما ذكرته الدولة الطرف، عمد مشاركون في هذه المظاهرات إلى “إلقاء الآلاف من قنابل المولوتوف والحجارة على مراكز الشرطة وغيرها من المكاتب الحكومية. كما أضرموا النار في 13 مركبة وأصابـوا 134 شرطـيا بجروح”. ووقعت كل هـذه الأحداث قبل 10 تموز/يوليه 1990، وهو تاريخ بدء نفاذ العهد بالنسبة للدولة الطرف: وبذا اعتبرت خارج نطاق اختصاص اللجنة من حيث الاختصاص الزمني. 4-3 أما بالنسبة للأحداث التي وقعت بعد 10 تموز/يوليه 1990، فإن المسألة تتعلق بما إذا كانت الحقوق التي يحميها العهد مضمونة للسيد كيم. وتدفع الدولة الطرف بأن جميع حقوق السيد كيم بموجب العهد، لا سيما حقوقه بموجب المادة 14، قد روعيت في الفترة الممتدة من تاريخ اعتقاله (13 أيار/مايو 1990) حتى تاريخ الإفراج عنه (12 آب/أغسطس 1992). 4-4 وفيما يتعلق بالانتهاك المرعوم للفقرة 2 من المادة 19 من العهد، تحاجج الدولة الطرف بأن مقدم البلاغ لم يحدد بصورة واضحة الأساس الذي يستند إليه ادعاؤه، وأنه استند فقط إلى الافتراض بأن بعض أحكام قانون الأمن القومي لا تتطابق مع العهد، وأن التهم الجنائية التي تستند إلى أحكام قانون الأمن القومي هذه تعد انتهاكا للفقـرة 2 من المادة 19. وتدفع الدولة الطرف بأن مثل هذا الادعاء يقع خارج نطاق اختصاص اللجنة؛ وتحاجج بأنه، بموجب العهد والبروتوكول الاختياري، لا يمكن للجنة أن تنظر في المطابقة (المجردة) لقانون معين، أو لأحكام قانون ما لدولة طرف، مع أحكام العهد. وترد إشارة إلى آراء اللجنة المعنية بحقوق الإنسان في الرسالة رقم 55/1979 2 ، التي ذكر أنها تؤيد استنتاجات الدولة الطرف. 4-5 وبناء على ما تقدم، تطلب الدولة الطرف من اللجنة إعلان أن البلاغ غير مقبول من حيث الاختصاص الزماني، من حيث ما يتعلق بالأحداث التي وقعت قبل 10 تموز/يوليه 1990، ولأن مقدم البلاغ لم يثبت حدوث انتهاك لحقوقه التي يكفلها العهد وذلك بالنسبة للأحداث التي وقعت بعد ذلك التاريخ. 5-1 ويذكر مقدم البلاغ في تعليقاته أن لب قضيته لا يكمن في الأحداث (أي التي وقعت قبل 10 تموز/يوليه 1990) والتي كانت بداية ما تعرضت له حقوقه من انتهاكات، بل في الإجراءات القضائية اللاحقة التي أدت إلى إدانته من قبل المحاكم. وعليه، عوقب على مخالفته قانون الأمن القومي، بعد بدء نفاذ العهد بالنسبة لجمهورية كوريا. وأشار إلى أنه، بالنظر إلى أن أنشطته لم تكن إلا تعبيرا سلميا عن آرائه وأفكاره في إطار فحوى الفقرة 2 من المادة 19 من العهد، كان على الدولة الطرف واجب حماية ممارسته السلمية لهذا الحق. وفي هذا الإطار، كانت سلطات الدولة، وبصورة خاصة المحاكم، ملزمة بواجب تطبيق الأحكام ذات الصلـة من العهد طبقـا لفحواها العام. ففي هذه القضية، لم تنظر المحاكم في الفقرة 2 من المادة 19 من العهد لدى محاكمتها مقدم البلاغ وإدانته. وباختصار، فإن معاقبة مقدم البلاغ لممارسة حقه في حرية التعبير بعد بدء نفاذ العهد بالنسبة لجمهورية كوريا استتبع انتهاكا لحقه بموجب الفقرة 2 من المادة 19. 5-2 ويلاحظ المحامي أن المظاهرات غير القانونية وأعمال العنف المزعومة التي تشير إليها الدولة الطرف لا صلة لها بهذه القضية؛ وأن المسألة التي يثيرها أمام اللجنة لا تتعلق بالمناسبات التي عوقب فيها لقيامه بتنظيم المظاهرات. ويضيف المحامي أن هذا لا يعني أن إدانة موكله بموجب قانون المظاهرات والتجمع لا تقوم على أساس معقول وسليم: ويقال إنه من الشائع أن يدان قادة جماعات المعارضة في جمهورية كوريا بسبب أي مظاهرة يقومون بتنظيمها في أي مكان في البلد، وذلك في إطار “نظرية المؤامرة الضمنية”. 5-3 ويكرر مقدم البلاغ تأكيد أنه لم يُثر مسألة تطابق أحكام قانون الأمن القومي مع أحكام العهد، وإنه في واقع الأمر يعرب عن رأيه في أن القانون المذكور، على غرار ما أقرت به اللجنة في تعليقاتها الختامية على التقرير الأولي للدولة الطرف، يظل عقبة جدية تحول دون الإعمال التام للحقوق التي ينص عليها العهد. غير أنه يشدد على أن بلاغه يتعلق “فقط بمعاقبته على ممارسته السلمية للحـق فـي حريـة التعبير، ما يشكل انتهاكا للفقرة 2 من المادة 19 من العهد”. قرار اللجنة بشأن المقبولية
6-1 نظرت اللجنة في دورتها السادسة والخمسين في مقبولية البلاغ.6-2 وأحاطت اللجنة علما بحجة الدولة الطرف بأنه ينبغي اعتبار هذه القضية غير مقبولة من حيث الاختصاص الزماني، لأنها استندت إلى أحداث وقعت قبل بدء نفاذ العهد والبروتوكـول الاختيـاري بالنسبـة لجمهورية كوريا. وفي الدعوى الحالية، لم يكن هناك ما يدعو اللجنة إلى الإشارة إلى قوانينها التي يحتمل بموجبها أن تشكل الآثار الناجمة عن انتهاك ما استمر بعد بدء نفاذ العهد بالنسبة للدولة الطرف، انتهاكا للعهد، إذ أن الانتهاك الذي يدعيه مقدم البلاغ هو إدانته بمقتضى قانون الأمن القومي. وبما أن الإدانة تمت بعد بدء نفاذ العهد فـي 10 تمـوز/يوليه 1990 (29 آب/أغسطس 1990 هو تاريـخ الإدانـة، و 11 كانون الثاني/يناير 1991 تاريخ الاستئناف، و 26 نيسان/أبريل 1991 تاريخ حكم المحكمة العليا)، لم يكن هناك ما يمنع اللجنة من حيث الاختصاص الزماني من النظر في البلاغ الذي قدمه الشخص المعني. 6-3 ودفعت الدولة الطرف بأن حقوق مقدم البلاغ كانت محمية تماما خلال الإجراءات القضائية ضده، وأنه كان بصورة عامة يطعن في تطابق قانون الأمن القومي مع العهد. ولم تشاطر اللجنة الدولة الطرف في هذا التقدير. وادعى مقدم البلاغ أنه أدين بموجب الفقرتين 1 و 5 من المادة 7 من قانون الأمن القومي، لأعمال لها علاقة بالتعبير ليس إلا. وادعى كذلك أنه لم يقدم أي برهان على وجود نية محددة في تعريض أمن الدولة للخطر، ولا على التسبب في أي ضرر فعلي في هذا المجال. ولم تصل هذه الادعاءات إلى حد الطعن المجرد في تطابق قانون الأمن القومي مع العهد، لكنها كانت بمثابة حجة تفيد بأن مقدم البلاغ كان ضحية لانتهاك الدولة الطرف حقه في حرية التعبير بموجب المادة 19 من العهد. وقد دعمت هذه الحجة بالبراهين الكافية على نحو يقتضي ردا من الدولة الطرف بشأن جوانبها الموضوعية. 6-4 واقتنعت اللجنة، استنادا إلى المواد التي عرضت عليها، بأن مقدم البلاغ استنفد جميع وسائل الانتصاف المحلية المتاحة في إطار مفهوم الفقرة 2 من المادة 5 من البروتوكول الاختياري؛ وأشارت في هذا الصدد إلى أن الدولة الطرف لم تعترض على مقبولية القضية على هذا الأساس. 7 - وبناء على ذلك، قررت اللجنة المعنية بحقوق الإنسان، في 14 آذار/مارس 1996، أن البلاغ مقبول من حيث أنه يثير، فيما يبدو، مسائل تندرج في إطار المادة 19 من العهد. رسالة الدولة الطرف بشأن الجوانب الموضوعية وتعليقات المحامي
8-1 توضح الدولة الطرف، في الرسالة التي قدمتها في 21 شباط/فبراير 1997، أن دستورها يضمن حقوق مواطنيها وحرياتهم الأساسية، بما في ذلك الحق في حرية المعتقد، وحرية الكلام والصحافة وحرية الاجتماع وتكوين الجمعيات. ولا يجوز تقييد هذه الحريات والحقوق قانونا إلا لمقتضيات الأمن القومي، أو الحفاظ على القانون والنظام، أو الصالح العام. وينص الدستور كذلك على عدم انتهاك أي جانب من الجوانب الأساسية للحرية أو الحق، حتى لو فُرض مثل هذا التقييد.8-2 وتدفع الدولة الطرف بأنها تحتفظ بقانون الأمن القومي كوسيلة قانونية دنيا لصون نظامها الديمقراطي الذي يتعرض أمنه لتهديد متواصل من جانب كوريا الشمالية. ويتضمن القانون بعض الأحكام التي تقيد إلى حد ما الحريات أو الحقوق من أجل حماية الأمن القومي، وفقا للدستور3. 8-3 ووفقا لما أوردته الدولة الطرف، فقد تجاوز مقدم البلاغ حدود الحق في حرية التعبير. وتشير الدولة الطرف في هذا السياق إلى التحليل الذي أورده قسم الاستئناف التابع لمحكمة سول المحلية الجنائية في حكمه الذي صدر في 11 كانون الثاني/يناير 1991، والذي أفاد بأن ثمة ما يكفي من الأدلة للاستنتاج بأن مقدم البلاغ كان ضالعا في أنشطة مناهضة للدولة لمصلحة كوريا الشمالية، وأن المواد التي وزعها والمظاهرات التي رعاها والتي أدت إلى اضطراب خطير في النظام العام، شكلت خطرا واضحا على كيان الدولة ونظامها العام الديمقراطي الحر. وفي هذا الصدد، تقول الدولة الطرف بأن حرية التعبير لا ينبغي أن تمارس بطريقة سلمية فحسب بل يتعين أن توجه صوب هدف سلمي. وتشير الدولة الطرف إلى أن مقدم البلاغ أصدر مواد ووزعها على الجمهور شجع ونشر فيها ايديولوجية كوريا الشمالية الداعية إلى جعل شبه الجزيرة الكورية منطقة شيوعية بالقوة. وعلاوة على ذلك، نظم مقدم البلاغ مظاهرات غير قانونية انطوت على أعمال عنف جسيمة ضد الشرطة. وتدفع الدولة الطرف بأن هذه الأعمال نجم عنها تهديد خطير للنظام والأمن العامين وأدت إلى وقوع عدد من الخسائر. 8-4 وفي الختام، تذكر الدولة الطرف أنها مصرة على رأيها في أن العهد لا يتهاون مع أي من أعمال العنف أو الأعمال المثيرة للعنف التي ترتكب تحت شعار ممارسة الحق في حرية التعبير. 9-1 وفي تعليقاته على رسالة الدولة الطرف، يكرر المحامي القول بأن إدانة مقدم البلاغ بموجب قانون المظاهرات والتجمع وقانون العقوبات لارتكاب أنشطة تتسم بالعنف ليست هي المسألة في هذا البلاغ. ويحاجج المحامي بأن إدانـة مقـدم البلاغ بموجب ذينك القانونين لا يمكن أن تبرر إدانته بموجب قانون الأمن القومي بسبب ما صدر عنه من تصريحات زعم أنها مفيدة للعدو. ولذلك، يدفع المحامي بأنه إذا لم تعرّض التصريحات المذكورة أمن البلد للخطر، لم يكن ينبغي معاقبة مقدم البلاغ بموجب قانون الأمن القومي. 9-2 ويشير المحامي إلى أن الدولة الطرف أعادت لمقدم البلاغ حقوقه الانتخابية، وأن مقدم الطلب انتخب عضوا في الجمعية الوطنية في نيسان/أبريل 1996. ولهذا السبب، يشكك المحامي في أساس إدانة مقدم البلاغ الذي قام على التشجيع والدعاية المزعومين لأيديولوجية كوريا الشمالية الداعية إلى جعل شبه الجزيرة الكورية شيوعية بالقوة. 9-3 ووفقا لما ذكره المحامي، تقوم الدولة الطرف، من خلال قانون الأمن القومي، بخنق الديمقراطية تحت شعار حمايتها. وفي هذا الصدد، يحاجج المحامي بأن جوهر النظام الديمقراطي يكمن في ضمان الممارسة السلمية لحرية التعبير. 9-4 ويدفع المحامي بأن الدولة الطرف لم تثبت بصورة لا يرقى إليها الشك أن مقدم البلاغ قد عرّض أمن البلد للخطر بنشره الوثائق. ووفقا لما ذكره المحامي، عجزت الدولة الطرف عن إثبات وجود أي صلة بين كوريا الشمالية ومقدم البلاغ ولم تفلح في تبيان نوع التهديد الذي شكلته تصريحات مقدم البلاغ بالنسبة لأمن البلد. ويدفع المحامي بأن استخدام مقدم البلاغ حريته في التعبير لم يكن سلميا فحسب بل كان يهدف أيضا إلى تحقيق غرض سلمي. 9-5 وأخيرا، يشير المحامي إلى العملية الجارية والتي ترمي إلى تحقيق الديمقراطية في كوريا، ويدعي أن ما يجري حاليا من تحول إلى الديمقراطية إنما يعزى إلى التضحيات التي يقدمها أشخاص كثيرون مثل مقدم البلاغ. ويشير إلى أن العديد من الناشطين في البلد الذين أدينوا باعتبارهم شيوعيين بموجب قانون الأمن القومي يؤدون اليوم أدوارا هامة كأعضاء في الجمعية الوطنية. 10-1 وفي رسالة أخرى، مؤرخة 21 شباط/فبراير 1997، تكرر الدولة الطرف القول بأن مقدم البلاغ أدين أيضا لتنظيمه مظاهرات عنيفة، وتؤكد أن أسباب إدانته بموجب قانون الأمن القومي تكمن في تأييده استراتيجية الوحدة مع كوريا الشمالية وذلك بدعوته إلى الوحدة في مطبوعات وزعت على نحو 000 4 شخص من الذين شاركوا في المؤتمر التأسيسي للائتلاف الوطني للحركة الديمقراطية، وفي أن الأنشطة من قبيل المساعدة في تنفيذ استراتيجية كوريا الشمالية تشكل أعمالا تخريبية موجهة ضد الدولة. وفي هذا الصدد، تشير الدولة الطرف إلى أنها تعتبر، عمليا، في حالة حرب مع كوريا الشمالية منذ عام 1953، وأن كوريا الشمالية تستمر في محاولتها زعزعة الاستقرار في البلد. ولذلك فإن الدولة الطرف ترى بأن من الضروري اتخاذ تدابير دفاعية مخصصة لصون الديمقراطية، وتصر على أن قانون الأمن القومي يشكل بصورة مطلقة الوسيلة القانونية الدنيا الضرورية لحماية الديمقراطية الليبرالية في البلد. 10-2 وتوضح الدولة الطرف أن حقوق مقدم البلاغ الانتخابية أعيدت له لأنه لم يرتكب جريمة أخرى لفترة معينة من الزمن بعد إنهائه مدة سجنه، ولتيسير المصالحة الوطنية. وتدفع الدولة الطرف بأن إعادة حقوق مقدم البلاغ الانتخابية لا تلغي أنشطته الإجرامية السابقة. 10-3 وتتفق الدولة الطرف مع المحامي على أن حرية التعبير هي أحد العناصر الأساسية للنظام الحر والديمقراطية غير أنها تشدد على أنه يتعذر ضمان حرية التعبير هذه من غير قيد أو شرط للأشخاص الذين يرغبون في تدمير النظام الحر والديمقراطي ذاته وتخريبه. وتوضح الدولة الطرف أن التعبير العادي عن الإيديولوجيات، أو البحث الأكاديمي بشأن الإيديولوجيات، لا يعاقب عليهما بموجب قانون الأمن القومي، حتى لو كانت هذه الإيديولوجيات لا تتطابق معه النظام الديمقراطي الليبرالي. غير أن الأعمال التي ترتكب باسم حرية الكلام وتقوض النظام الأساسي الذي يقوم عليه النظام الديمقراطي الليبرالي للبلد يعاقب عليها لأسباب تتعلق بالأمن القومي. 10-4 وفيما يتعلق بحجة المحامي القائلة بأن الدولة الطرف لم تثبت أن ثمة علاقة بين مقدم البلاغ وكوريا الشمالية وأن أفعاله شكلت تهديدا جسيما للأمن القومي، تشير الدولة الطرف إلى أن كوريا الشمالية حاولت زعزعة الاستقرار في البلد عن طريق الدعوة إلى إطاحة “النظام الفاشي العسكري” في كوريا الجنوبية لصالح إقامة “حكومة ديمقراطية شعبية”، تفضي إلى “توحيد وطن الأجداد” و“تحرير الشعب”. وورد في الوثائق التي وزعها مقدم البلاغ أن حكومة كوريا الجنوبية تسعى إلى استمرار انقسام البلد والنظام الديكتاتوري؛ وأن الشعب الكوري كافح على مدى نصف القرن الأخير ضد النفوذ الاستعماري الجديد للولايات المتحدة واليابان، الذي يرمي إلى استمرار انقسام شبه الجزيرة الكورية وقمع الشعب؛ وأنه ينبغي سحب الأسلحة النووية والجنود الأمريكيين من كوريا الجنوبية، لأن وجودهم يشكل خطرا كبيرا على بقاء الأمة وعلى الشعب؛ وأن المناورات العسكرية المشتركة بين كوريا الجنوبية والولايات المتحدة الأمريكية ينبغي أن تتوقف. 10-5 وتدفع الدولة الطرف بأنها تنشد توحيدا سلميا لا استمرار الانقسام كما يدعي مقدم البلاغ. وتجادل الدولة الطرف كذلك في مسألة قناعة مقدم البلاغ الذاتية بشأن وجود القوات الأمريكية والنفوذ الأمريكي والياباني. وتشير إلى أن وجود القوات الأمريكية يشكل رادعا فعالا يحول دون إقدام كوريا الشمالية على فرض الشيوعية على شبه الجزيرة عن طريق القوة العسكرية. 10-6 ووفقا لما ذكرته الدولة الطرف، من الواضح أن حجج مقدم البلاغ هي حجج كوريا الشمالية نفسها، وعليه فإن أنشطته ساعدت كوريا الشمالية واتبعت استراتيجيتها ووسائلها التكتيكية على السواء. وتوافق الدولة الطرف على أن الديمقراطية تعني إتاحة المجـال للإعـراب عن آراء مختلفة ولكنها تحاجج بأنه ينبغي وجود حد لبعض الأفعال بحيث لا تلحق الضرر بالنظام الأساسي اللازم لبقاء الأمة. وتدفع الدولة الطرف بأن القانون يمنع إصدار وتوزيع المطبوعات التي تثني على ايديولوجية كوريا الشمالية وتروجها وتعزز هدفها الاستراتيجي المتمثل في تدمير النظام الحر والديمقراطي في جمهورية كوريا. وتحاجج بأن مثل هذه الأنشطة، التي توجه صوب مواصلة تحقيق هذه الأهداف العنيفة، لا يمكن تأويلها على أنها أنشطة سلمية. 11 - وفي رسالة مؤرخة 1 حزيران/يونيه 1998، أحاط محامي مقدم البلاغ اللجنة علما بأنه ليس لديه تعليقات أخرى. المسائل والإجراءات المعروضة على اللجنة
12-1 نظرت اللجنة المعنية بحقوق الإنسان في هذا البلاغ في ضوء جميع المعلومات التي زودها بها الطرفان، على النحو المنصوص عليه في الفقرة 1 من المادة 5 من البروتوكول الاختياري.12-2 وتلاحظ اللجنة أنه وفقا للمادة 19 من العهد، يجب على أي تقييد يخضع له الحق في حرية التعبير أن يستوفي بصفة جامعة الشروط التالية: يجب أن ينص عليه القانون، ويجب أن يتناول واحدا من الأهداف المذكورة في الفقرة 3 (أ) و (ب) من المادة 19 (احترام حقوق الآخرين وسمعتهم، وحماية الأمن القومي أو النظام العام أو الصحة العامة أو الآداب العامة)، ويجب أن يكون أمرا لا بد منه لتحقيق هدف مشروع. 12-3 وتلاحظ اللجنة أن تقييد حق مقدم البلاغ في حرية التعبير منصوص عليه بالفعل بموجب القانون، أي قانون الأمن القومي بصيغته التي كان عليها حينئذ؛ ويتضح من قرارات المحاكم أن مقدم البلاغ، في هذه الحالة، كان سيدان أيضا بموجب القانون بالصيغة التي عدل بها عام 1991، على الرغم من أن هذه النقطة ليست موضع خلاف في هذه القضية. والمسألة الوحيدة المعروضة على اللجنة هي ما إذا كان تقييد حرية التعبير، على النحو المستشهد به ضد مقدم البلاغ، ضروريا لتحقيق أي من الأغـراض المذكورة في الفقرة 3 من المادة 19. ومما يشدد على ضرورة قيام اللجنة بالتدقيق بعناية في الأمر هو الصيغة العامة وغير المحددة التي استخدمت لوصف الجريمة بموجب قانون الأمن القومي. 12-4 وتشير اللجنة إلى أن مقدم البلاغ أدين لقيامه بتلاوة وتوزيع مطبوعات على الآخرين اعتُبرت متوافقة مع البيانات السياسية لجمهورية كوريا الشعبية الديمقراطية (كوريا الشمالية)، التي هي في حالة حرب مع الدولة الطرف وأدانته المحاكم على أساس ما ارتأته من أنه قام بذلك بقصد تأييد أنشطة جمهورية كوريا الشعبية الديمقراطية. وأكدت المحكمة العليا أن مجرد إدراك أن النشاط يمكن أن يعود بالفائدة على كوريا الشمالية كان كافيا لإثبات الذنب. وحتى لو أخذت اللجنة تلك المسألة في الحسبان، عليها النظر في ما إذا كان الخطاب السياسي لمقدم البلاغ وقيامه بتوزيع وثائق سياسية اتخذا طابعا يستتبع التقييد الذي تسمح به المادة 19 (3)، أي حماية الأمن القومي. ومن الجلي أن سياسات كوريا الشمالية كانت معروفة على نطاق واسع داخل إقليم الدولة الطرف، لكنه ليس من الواضح كيف أن “الفائدة” (غير المحددة) التي قد تعود على جمهورية كوريا الشعبية الديمقراطية جراء نشر آراء شبيهة بآرائها هي بمثابة خطر يتهدد الأمن القومي، وليس من الواضح أيضا طابع أي خطر من هذا النوع ونطاقه. وليس هناك ما يشير إلى أن المحاكم تطرقت، على أي مستوى كان، إلى تلك المسائل أو نظرت في ما إذا كان لمضمون الخطاب أو الوثائق أي أثر إضافي على الحضور أو القراء بطريقة أدت إلى تهديد الأمن العام، الذي تبرر حمايته عملية التقييد في إطار أحكام العهد باعتباره أمرا ضروريا. 12-5 وعليه، تعتبر اللجنة أن الدولة الطرف لم تحدد الطابع الدقيق، للتهديد الذي زعم أنه نتج عن ممارسة مقدم البلاغ حرية التعبير، وأن الدولة الطرف لم تقدم تبريرات محددة عن السبب الذي استلزم من أجل الأمن القومي أن يحاكم مقدم البلاغ أيضا لممارسته حريته في التعبير، علاوة على محاكمته لمخالفته قانون التجمع والمظاهرات وقانون المعاقبة على تنفيذ أنشطة تتسم بالعنف (لا تشكل هذه المحاكمة جزءا من شكوى مقدم البلاغ). وعليه، تعتبر اللجنة أن تقييد حق مقدم البلاغ في حرية التعبير لا يتطابق مع متطلبات الفقرة 3 من المادة 19 من العهد. 13 - واللجنة المعنية بحقوق الإنسان، إذ تتصرف بموجب الفقرة 4 من المادة 5 من البروتوكول الاختياري للعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، ترى أن الحقائق المعروضة عليها تكشف انتهاكا للمادة 19 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية. 14 - والدولة الطرف ملزمة وفقا للفقرة 3 (أ) من المادة 2، من العهد بأن توفر لمقدم البلاغ سبيلا فعالا للانتصاف. 15 - وإذ تأخذ اللجنة في اعتبارها أن الدولة الطرف، كونها قد أصبحت طرفا في البروتوكول الاختياري، تكون قد اعترفت باختصاص اللجنة بالبت في وجود أو عدم وجود انتهاك للعهد، كما تكون الدولة الطرف، عملا بالمادة 2 منه، قد تعهدت بكفالة الحقوق المعترف بها في العهد لجميع الأفراد الموجودين في إقليمها والخاضعين لولايتها بتوفير سبيل انتصاف فعال وقابل للتنفيذ في حالة ثبوت أي انتهاك، فإنها تود أن تتلقى من الدولة الطرف، في غضون تسعين يوما، معلومات عن التدابير المتخذة لتنفيذ آراء اللجنة. كما يُطلب من الدولة الطرف ترجمة آراء اللجنة ونشرها. [اعتمدت الآراء باللغات الإسبانية والانكليزية والفرنسية على أن يكون النص الانكليزي هو النص الأصلي. وصدرت أيضا فيما بعد باللغات الروسية والصينية والعربية كجزء من هذا التقرير.[
تذييل
ليس بوسعي أن أتفق مع ما أعربت عنه اللجنة في هذه القضية من آراء بأن “تقييد حق مقدم البلاغ في حرية التعبير لا يتمشى مع متطلبات الفقرة 3 من المادة 19 من العهد”. (الفقرة 12-5)رأي فردي مقدم من نيسوكه أندو (مخالف) فحسب ما تراه اللجنة “لا توجد أي إشارة إلى أن المحاكم… نظرت فيما إذا كان لفحوى الخطاب [الذي ألقاه مقدم البلاغ] أو الوثائق [التي وزعها] أي تأثير إضافي في الجمهور أو القرّاء يجعلها تهدد الأمن العام” (الفقرة 12-4) و “لم تقدم الدولة الطرف مبررات محددة تعلل اعتبارات الأمن القومي التي جعلت من اللازم أيضا محاكمة مقدم البلاغ من أجل ممارسة حريته في التعبير بالإضافة إلى محاكمته من أجل مخالفات للقانون المتعلق بالتجمع والتظاهر والقانون المتعلق بالمعاقبة على أعمال العنف (الذي لا يشكل جزءا من شكوى مقدم البلاغ). (الفقرة 12-5) ورغم ذلك، وكما لاحظت الدولة الطرف، فإن مقدم البلاغ “أدين من أجل تنظيم مظاهرات غير قانونية والتحريض على أعمال العنف في عدة مناسبات خلال الفترة من كانون الثاني/يناير 1989 إلى أيار/مايو 1990. وخلال هذه المظاهرات…“رمى المشاركون مخافر الشرطة وغيرها من المكاتب الحكومية بآلاف من قذائف المولوتوف والحجارة. كما أضرموا النار في السيارات وأصابوا 134 شرطيا بجروح”. ” (الفقرة 4-2) وفي هذا السياق، فإن اللجنة نفسها “تلاحظ أن مقدم البلاغ أدين من أجل تلاوة وتوزيع مواد مطبوعة تعرب عن آراء… تتفق والتصريحات السياسية لجمهورية كوريا الشعبية الديمقراطية (كوريا الشمالية)، التي هي في حالة حرب رسمية مع الدولة الطرف”. (الفقرة 12-4) انظر أيضا تفسير الدولة الطرف الوارد في الفقرتين 10-4 و 10-5) ويحتج محامي مقدم البلاغ بأن “إدانة مقدم البلاغ بموجب القانون المتعلق بالتظاهر والتجمع والقانون المتعلق بالمعاقبة على أعمال العنف ليست موضع الخلاف في هذا البلاغ” وأن “إدانة مقدم البلاغ بموجب هذين القانونين لا يمكن أن تبرر إدانته بموجب قانون الأمن القومي من أجل إدلائه بتصريحات زُعِم أنها تخدم مصالح الأعداء”. (الفقرة 9-1) ومع ذلك، فإن ما قام به مقدم البلاغ من تلاوة وتوزيع للمواد المطبوعة المعنية، وأدين من أجله بموجب هذين القانونين، يشكل نفس الأعمال التي أدين من أجلها بموجب قانون الأمن القومي والتي أدت إلى خرق النظام العام، مثلما ذكرت الدولة الطرف. والواقع أن المحامي لا يفند أن تلاوة مقدم البلاغ وتوزيعه للمواد المطبوعة تسببا فعلا في خرق النظام العام، وهو ما قد تكون الدولة الطرف تصورته تهديدا للأمن القومي. صحيح أنني أشاطر المحامي قلقه لكون بعض أحكام قانون الأمن القومي صيغت بعمومية مفرطة تؤدي إلى إساءة تطبيقها وتأويلها. غير أن الحقيقة تظل مع الأسف أن كوريا الشمالية غزت كوريا الجنوبية في الخمسينات وأن الانفـراج الذي وقع بين الشرق والغرب لم يظهر بعد في شبه الجزيرة الكورية. وعلى أي حال، ليس لدى اللجنة أي معلومات تثبت أن الأعمال المذكورة أعلاه التي قام بها مقدم البلاغ لم تؤد إلى خرق النظام العام، وبموجب الفقرة 3 من المادة 19 من العهد، تُعد حماية “النظام العام” بالإضافة إلى حماية “الأمن القومي” أساسا مشروعا لتقييد ممارسة الحق في حرية التعبير. (توقيع) نيسوكه أندو [حُرر باللغات الأسبانية والانكليزية والفرنسية، على أن يكون النص الانكليزي هو النص الأصلي. وصدر أيضا فيما بعد باللغات الروسية والصينية والعربية كجزء من هذا التقرير] _________________________ - وثيقة الأمم المتحدة A/54/40 المجلد الثاني، القسم ألف. * شارك في النظر في هذا البلاغ أعضاء اللجنة التالية أسماؤهم: السيد عمران الشافعي، السيد نيسوكه أندو، السيدة إليزابيث إيفات، السيد توماس بوير غنتال، السيد فاوستو بوكار، السيد عبد الله زخيا، السيدة كريستين شانيه، السيد مارتن شاينين، السيد رومان فيروجيفسكي، السيد ديفيد كريتزمر، السيد إيكارت كلاين، اللورد كولفيل، السيدة سيسيليا ميدينا كيروغا، السيد ماكسويل يالدن. هذه الوثيقة مذيلة بنص رأي قدمه بصفته الفردية السيد نيسوكه أندو، عضو اللجنة. 1- اعتمدت الآراء في دورة اللجنة الخامسة والأربعين (تموز/يوليه 1992)، انظر: الوثائق الرسمية للجمعية العامـة، الدورة السابعة والأربعون، الملحق رقم 40 (A/47/40)، الفقرات 515 و 518. 2- القضية رقم 55/1979 (الكسندر ماكايزاك ضد كندا)، الآراء المعتمدة في 14 تشرين الأول/أكتوبر 1982، الفقرات 10-12. 3- تنص المادة 1 من قانون الأمن القومي على ما يلي: “إن الغرض من هذا القانون هو مكافحة الأنشطة المناهضة للدولة التي تعرض الأمن القومي للخطر، بغية تأمين سلامة الدولة إلى جانب حياة المواطنين وحريتهم”. وتنص الفقــــرة 1 من الـمـادة 7 على أنه “يعاقب بالسجن مع الشغل لفترة لا تتجاوز سبع سنين أي شخص يثني على الأنشطة التي تنفذها منظمة ما مناهضة للدولة أو يشجعها أو يتحيز لها، أو أي من أعضائها أو أي شخص يتلقى تعليمات من مثل هذه المنظمة، أو يحقق أي فائدة لمنظمة مناهضة للدولة بوسائل أخرى” وتنص الفقرة 5 من المادة 7 على ما يلي: “ويلقى العقوبة نفسها بحسبما هي مذكورة في كل فقرة كل شخص يقوم، بقصد ارتكاب الأعمال المذكورة في الفقرات أعلاه، بإصدار وثائق، أو رسوم أو غيرها من وسائل التعبير المماثلة الأخرى، أو باستيرادها، أو نسخها، أو الاحتفاظ بها، أو نقلها، أو نشرها، أو بيعها أو اقتنائها”. |